كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال الراغب‏:‏ الظن إصابة بضرب من الأمارة ولما كانت الأمارة مترددة بين يقين وشك فيقرب تارة من طرف اليقين وتارة من طرف الشك صار تفسير أهل اللغة مبهماً والظن متى كان عن أمارة قوية فإنه يمدح ومتى كان عن تخمين لم يعتمد وذم به ‏{‏إن بعض الظن إثم‏}‏ اهـ ‏(‏ولا تجسسوا‏)‏ بجيم أي لا تتعرفوا خبر الناس بلطف كالجاسوس وقال القاضي‏:‏ التجسس بالجيم تعرف الخبر ومنه الجاسوس وقال الزمخشري‏:‏ التجسس أن لا يترك عباد اللّه تحت ستره فيتوصل إلى الاطلاع عليهم والتجسس على أحوالهم وهتك الستر حتى ينكشف لك ما كان مستوراً عنك ويستثنى منه ما لو تعين طريقاً لإنقاذ محترم من هلاك أو نحوه كأن يخبر ثقة بأن فلاناً خلا برجل ليقتله أو امرأة ليزني بها فيشرع التجسس كما نقله النووي عن الأحكام السلطانية واستجاده ‏(‏ولا تحسسوا‏)‏ بحاء مهملة أي لا تطلبوا الشيء بالحاسة كاستراق السمع وإبصار الشيء خفية وقيل الأول التفحص عن عورات الناس وبواطن أمورهم بنفسه أو بغيره والثاني أن يتولاه بنفسه وقيل الأول يختص بالشر والثاني أعم ‏(‏ولا تنافسوا‏)‏ بفاء وسين من المنافسة وهي الرغبة في الشيء والانفراد به ومنه ‏{‏وفي ذلك فليتنافس المتنافسون‏}‏ وروي تناجشوا من النجش‏.‏ قال القاضي‏:‏ التناجش أن يزيد هذا على هذا وذاك على ذاك في البيع وقيل المراد بالحديث النهي عن إغراء بعضهم بعضاً على الشر والخصومة ‏(‏ولا تحاسدوا‏)‏ أي لا يتمنى أحد منكم زوال النعمة عن غيره وهو قريب من التنافس وفي رواية لا تقاطعوا ولا تدابروا قال في العارضة‏:‏ المقاطعة ترك الحقوق الواجبة بين الناس تكون عامة وتكون ‏[‏ص 123‏]‏ خاصة ‏(‏ولا تباغضوا‏)‏ أي لا تتعاطوا أسباب البغض لأنه لا يكتسب ابتداء ‏(‏ولا تدابروا‏)‏ أي تتقاطعوا من الدبر فإن كلاً منهما يولي صاحبه دبره‏.‏ قال في العارضة‏:‏ التدابر أن يولي كل منهم صاحبه دبره محسوساً بالأبدان أو معقولاً بالعقائد والآراء والأقوال قال ابن القيم‏:‏ والفرق بين المنافسة والحسد أن المنافسة المبادرة إلى الكمال الذي تشاهده في غيرك لتنافسه فيه لتلحقه أو تجاوزه فهو من شرف النفس وعلو الهمة وكبر القدر والحسد خلق نفس ذميمة وضعيفة ليس فيها حرص على الخير ‏(‏وكونوا عباد اللّه‏)‏ بحذف حرف النداء ‏(‏إخواناً‏)‏ أي اكتسبوا ما تصيرون به إخواناً مما ذكر وغيره فإذا تركتم ذلك كنتم إخواناً وإذا لم تتركوا صرتم أعداء ‏(‏ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه‏)‏ بكسر الخاء بأن يخطب امرأة فيجاب فيخطبها آخر وظاهره ولو كان الأول فاسقاً ‏(‏حتى ينكح أو يترك‏)‏ أي يترك الخاطب الخطبة فإذا تركها جاز لغيره خطبتها وإن لم يأذن له فظاهر ذكر الأخ اختصاص النهي بما إذا كان الخاطب مسلماً فإن كان كافراً لم تحرم لكن الجمهور على أن ذكر الأخ غالبي والنهي للتحريم لا للتنزيه اتفاقاً لكن له شروط مبينة في الفروع‏.‏

أخرج الحكيم الترمذي عن أبي الدرداء قال‏:‏ ما لكم لا تحابون وأنتم إخوان على الدين ما فرق بين أهوائكم إلا خبث سرائركم ولو اجتمعتم على أمر تحاببتم ما هذا إلا من قلة الإيمان في صدوركم ولو كنتم توقنون بخير الآخرة وشرها لكنتم للآخرة أطلب فبئس القوم أنتم إلا قليلاً منكم‏.‏

- ‏(‏مالك‏)‏ في الموطأ ‏(‏حم ق‏)‏ في الأدب ‏(‏د ت عن أبي هريرة‏)‏‏.‏

2902 - ‏(‏إياكم والتعريس‏)‏ أي النزول آخر الليل لنحو نوم ‏(‏على جوادّ الطريق‏)‏ بتشديد الدال جمع جادة أي معظم الطريق والمراد نفسها ‏(‏والصلاة عليها‏)‏ أي الطريق يعني فيها ‏(‏فإنها مأوى الحيات والسباع وقضاء الحاجة عليها فإنها الملاعن‏)‏ أي الأمور الحاملة على اللعن والشتم الجالبة لذلك والمصطفى صلى اللّه عليه وسلم رؤوف بأمته رحيم بهم فأرشد إلى تجنب ما هو مظنة حصول التأذي‏.‏

- ‏(‏ه عن جابر‏)‏ بن عبد اللّه سكت عليه المصنف فلم يشر إليه بعلامة الضعف كعادته في الضعيف وكأنه اغتر بقول المنذري رواته ثقات لكن قال الحافظ مغلطاي في شرح ابن ماجه‏:‏ هذا الحديث معلل بأمرين‏:‏ الأول ضعف عمرو بن أبي سلمة أحد رجاله فإن يحيى ضعفه وابن معين قال لا يحتج به، والثاني أن فيه انقطاعاً لكن رواه البزار مختصراً بسند على شرط مسلم اهـ‏.‏ وقال الولي العراقي‏:‏ فيه سالم الخياط وفيه خلف واختلف في سماع الحسن عن جابر ورواه الطبراني أيضاً قال الهيثمي‏:‏ ورجاله رجال الصحيح‏.‏

2903 - ‏(‏إياكم والوصال‏)‏ أي اجتنبوا تتابع الصوم بغير فطر فيحرم لأنه يورث الضعف والملل والعجز عن المواظبة على كثير من وظائف العبادات والقيام بحقها‏.‏ قال في المطامح‏:‏ أخبرني بعض الصوفية أنه واصل ستين يوماً قالوا‏:‏ فإنك تواصل قال‏:‏ ‏(‏إنكم لستم في ذلك مثلي‏)‏ أي على صفتي أو منزلتي من ربي ‏(‏إني أبيت‏)‏ في رواية أظل والبيتوتة والظلول يعبر بهما عن الزمن كله ويخبر بهما عن الدوام أي أنا عند ربي دائماً أبداً وهي عندية تشريف ‏(‏يطعمني ربي ويسقيني‏)‏ حقيقة بأن يطعمه من طعام الجنة وهو لا يفطر أو مجازاً عما يغذيه اللّه به من المعارف ويفيض على قلبه من لذة مناجاته وقرة عينه بقربه وغذاء القلوب ونعيم الأرواح أعظم أثراً من غذاء الأجسام والأشباح فللأنبياء جهة تجرد وجهة تعلق فالنظر للأول الذي يفاض عليهم به من المبدأ الأول مصونون عما يلحق غيرهم من البشر من ضعف وجوع وعطش وفتور وسهر وبالنظر للثاني الذي به يفيضون يلحقهم ذلك ظاهراً ‏[‏ص 124‏]‏ لموافقته للجنس لتؤخذ عنهم آداب الشريعة ولولا ذلك لم يمكنهم الأخذ عنهم فظواهرهم بشرية تلحقهم الآفات وبواطنهم ربانية مغتذية بلذة المناجاة فلا منافاة بين ما ذكر هنا وبين ربطه الحجر على بطنه من شدة الجوع لما تقرر أن أحوالهم الظاهرة يساوون فيها الجنس وأحوالهم الباطنة يفارقونهم فيها فظواهرهم للخلق كمرآة يبصرون فيها ما يجب عليهم وبواطنهم في حجب الغيب عند ربهم لا يعتريها عجز البشرية من جوع ولا غيره فهاك هذا الجمع عفواً صفواً فقلما تراه مجموعاً في كتاب وقل من تعرض له من الأنجاب ‏(‏فاكلفوا‏)‏ بسكون فضم احملوا ‏(‏من العمل ما تطيقون‏)‏ بين به وجه حكمة النهي وهو خوف الملل في العبادة والتقصير فيما هو أهم وأرجح من وظائف الدين من القوة في أمر اللّه والخضوع في فرائضه والإتيان بحقوقها الظاهرة والباطنة وشدة الجوع تنافيه وتحول بين المكلف وبينه ثم الجمهور على أن الوصال للنبي مباح وقال الإمام‏:‏ قربة وفي المطلب أن خصوصيته به على كل أمته لا على كل فرد فرد فقد اشتهر عن كثير من الأكابر الوصال وقال في المطامح‏:‏ أخبرني بعض الصوفية أنه واصل ستين يوماً‏.‏

- ‏(‏ق عن أبي هريرة‏)‏‏.‏

2904 - ‏(‏إياكم‏)‏ نصب على التحذير ‏(‏وكثرة الحلف في البيع‏)‏ أي توقوا إكثاره فهو للزجر والتحذير على حد إياك والأسد أي باعد نفسك عنه واحذره وتقييده بالكثرة يؤذن بأن المراد النهي عن إكثار الأيمان ولو صادقة لأن الكثرة مظنة الوقوع في المكذب كالواقع حول الحمى يوشك أن يقع فيه مع ما فيه من ذكر اللّه لا على جهة تعظيمه بل تعظيم السلعة فالحلف لها لا له أما الكاذبة فحرام وإن قلت ‏(‏فإنه‏)‏ تعليل لما قبله ‏(‏ينفق‏)‏ أي يروج البيع ‏(‏ثم يمحق‏)‏ بفتح حرف المضارعة أي يذهب بركته بوجه ما من تلف أو صرف فيما لا ينفع‏.‏ قال الطيبي‏:‏ ثم للتراخي في الزمن يعني وإن أنفق اليمين المبيع حالاً فإنه يذهب بالبركة مآلاً ويحتمل كونها للتراخي في الرتبة أي إن محقه لبركته أبلغ حينئذ من الإنفاق والمراد من محق البركة عدم النفع به دنيا أو ديناً حالاً أو مآلاً أو أعم‏.‏

- ‏(‏حم م ن ه‏)‏ كلهم في البيع ‏(‏عن أبي قتادة‏)‏ الأنصاري ولم يخرجه بهذا اللفظ البخاري‏.‏

2905 - ‏(‏إياكم والدخول‏)‏ بالنصب على التحذير وهو تنبيه المخاطب على محذور ليتحرز منه أي اتقوا الدخول ‏(‏على النساء‏)‏ ودخول النساء عليكم وتضمن منع الدخول منع الخلوة بأجنبية بالأولى والنهي ظاهر العلة والقصد به غير ذوات المحارم، ذكر الغزالي أن راهباً من بني إسرائيل أتاه أناس بجارية بها علة ليداويها فأبى قبولها فما زالوا به حتى قبلها يعالجها فأتاه الشيطان فوسوس له مقاربتها فوقع عليها فحملت فوسوس له الآن تفتضح فاقتلها وقل لأهلها ماتت فقتلها وألقى الشيطان في قلب أهلها أنه قتلها فأخذوه وحصروه فقال له الشيطان‏:‏ اسجد لي تنج فسجد له، فانظر إلى حيله كيف اضطره إلى الكفر بطاعته له في قبوله للجارية وجعلها عنده‏.‏

- ‏(‏حم ق ت عن عقبة بن عامر‏)‏ وتمام الحديث قالوا‏:‏ يا رسول اللّه أرأيت الحمو قال‏:‏ الحمو الموت أي دخوله على زوجة أخيه يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة فهو محرم شديد التحريم وإنما بالغ في الزجر بتشبيهه الموت لتسامح الناس في ذلك حتى كأنه غير أجنبي من المرأة وخرج هذا مخرج قولهم الأسد الموت أي لقاؤه يقضي إليه وكذا دخول الحمو عليها يفضي إلى موت الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج أو برجمها إن زنت معه وقد بالغ مالك في هذا الباب حتى منع ما يجر إلى التهم كخلوة امرأة بابن زوجها وإن كانت جائزة لأن موقع امتناع الرجل من النظر بشهوة لامرأة أبيه ليس كموقعه منه لأمه هذا قد استحكمت عليه النفرة العادية وذاك أنست به النفس الشهوانية والحمو أخو الزوج وقريبه‏.‏

‏[‏ص 125‏]‏ 2906 - ‏(‏إياكم والشح‏)‏ الذي هو قلة الإفضال بالمال فهو في المال خاصة أو عام رديف البخل أو أشد وإذا صحبه حرص أو مع الواجب أو أكل مال الغير أو العمل بالمعاصي كما سبق ‏(‏فإنما هلك من كان قبلكم‏)‏ من الأمم ‏(‏بالشح‏)‏ كيف وهو من سوء الظن باللّه ‏(‏أمرهم بالبخل فبخلوا‏)‏ بكسر الخاء ‏(‏وأمرهم بالقطيعة‏)‏ للرحم ‏(‏فقطعوها‏)‏ ومن قطعها قطع اللّه عنه رحمته وإفضاله ‏(‏وأمرهم بالفجور‏)‏ أي الميل عن القصد والسداد والإنبعاث في المعاصي ‏(‏ففجروا‏)‏ أي أمرهم بالزنا فزنوا والحاصل أن الشح من جميع وجوهه يخالف الإيمان ‏{‏أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا‏}‏ ومن ثم ورد لا يجتمع الشح والإيمان في قلب أبداً قال الماوردي‏:‏ وينشأ عن الشح من الأخلاق المذمومة وإن كانت ذريعة إلى كل مذموم أربعة أخلاق ناهيك بها ذماً‏:‏ الحرص والشره وسوء الظن ومنع الحقوق فالحرص شدة الكدح والجهد في الطلب والشره استقلال الكفاية والاستكثار بغير حاجة وهذا فرق ما بين الحرص والشره وسوء الظن عدم الثقة بمن هو أهل لها والخاتمة منع الحقوق لأن نفس البخيل لا تسمح بفراق محبوبها ولا تنقاد إلى ترك مطلوبها ولا تذعن للحق ولا تجيب إلى إنصاف وإذا آل الشح إلى ما وصف من هذه الأخلاق المذمومة والشيم اللئيمة لم يبق معه خير موجود ولا صلاح مأمول‏.‏

- ‏(‏د ك‏)‏ في الزكاة ‏(‏عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص قال‏:‏ خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فذكره قال الحاكم‏:‏ صحيح وأقره الذهبي‏.‏

2907 - ‏(‏إياكم والفتن‏)‏ أي احذروا وقعها والقرب منها ‏(‏فإن وقع اللسان فيها مثل وقع السيف‏)‏ فإنه يؤدي إلى وقع السيف بآخرة‏.‏

- ‏(‏ه عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وفيه محمد بن الحارث الحارثي ضعفوه‏.‏

2908 - ‏(‏إياكم والحسد‏)‏ وهو كما قال الحرالي‏:‏ قلق النفس من رؤية النعمة على الغير وهو اعتراض على الحق ومعاندة له ومحاولة لنقض ما فعله وإزالة فضله عما أهله له ومن ثم قال‏:‏ ‏(‏فإن الحسد يأكل الحسنات‏)‏ أي يذهبها ويحرقها ويمحو أثرها ‏(‏كما تأكل النار الحطب‏)‏ أي اليابس لأنه يفضي بصاحبه إلى اغتياب المحسود وشتمه وقد يتلف ماله أو يسعى في سفك دمه وكل ذلك مظالم يقتص منها في الآخرة ويذهب في عوض ذلك حسنات فلا حجة فيه للمعتزلة الزاعمين أن المعاصي تحبط الطاعات‏.‏

قال الغزالي‏:‏ الحاسد جمع لنفسه بين عذابين لأن حسده على نعمة الدنيا وكان معذباً بالحسد وما قنع بذلك حتى أضاف إليه عذاباً في الآخرة فقصد محسوده فأصاب نفسه وأهدى إليه حسناته فهو صديقه وعدو نفسه وربما كان حسده سبب انتشار فضل محسوده فقد قيل‏:‏

وإذا أراد اللّه نشر فضيلة * طويت أتاح لها لسان حسود

لولا اشتعال النار فيما جاورت * ما كان يعرف طيب نشر العود

- ‏(‏د‏)‏ في الأدب من حديث إبراهيم بن أسيد عن جده ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وجدّ إبراهيم لم يسم وذكر البخاري إبراهيم هذا في تاريخه الكبير وذكر له هذا الحديث وقال‏:‏ لا يصح‏.‏

2909 - ‏(‏إياكم والغلو في الدين‏)‏ أي التشديد فيه ومجاوزة الحد والبحث عن غوامض الأشياء والكشف عن عللها ‏[‏ص 126‏]‏ وغوامض متعبداتها ‏(‏فإنما هلك من كان قبلكم‏)‏ من الأمم ‏(‏بالغلو في الدين‏)‏ والسعيد من اتعظ بغيره وهذا قاله غداة العقبة وأمرهم بمثل حصى الخذف قال ابن تيمية‏:‏ قوله إياكم والغلو في الدين عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال والغلو مجاوزة الحد بأن يزاد في مدح الشيء أو ذمّه على ما يستحق ونحو ذلك والنصارى أكثر غلواً في الاعتقاد والعمل من سائر الطوائف وإياهم نهى اللّه عن الغلو في القرآن بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تغلوا في دينكم‏}‏ وسبب هذا الأمر العام رمي الجمار وهو داخل فيه مثل الرمي بالحجارة الكبار على أنه أبلغ من الصغار ثم علله بقوله بما يقتضي أن مجانبة هديهم مطلقاً أبعد عن الوقوع فيما به هلكوا وأن المشارك لهم في بعض هديهم يخاف عليه الهلاك‏.‏

- ‏(‏حم ن ه ك عن ابن عباس‏)‏ ورواه عنه أيضاً ابن منيع والحلواني والديلمي وغيرهم قال ابن تيمية‏:‏ هذا إسناد صحيح على شرط مسلم‏.‏

2910 - ‏(‏إياكم والنعي‏)‏ بفتح فسكون وهو خبر الموت ‏(‏فإن النعي من عمل الجاهلية‏)‏ كانوا إذا مات منهم ذو قدر ركب منهم إنساناً فرساً ويقول نعاه أي كنزال فلاناً أي انعه وأظهر خبر موته فهذا إذا وقع على وجه النوح يكون حراماً وأما الإعلام بموته من غير نوح فلا بأس به‏.‏

- ‏(‏ت عن ابن مسعود‏)‏ قال عبد الحق‏:‏ روي مرفوعاً وموقوفاً والموقوف أصح وتعقبه ابن القطان بما محصوله أنه ضعيف كيفما كان لكن رواية الرفع ضعف وممن بين ضعفه مطلقاً الترمذي نفسه نعم روى الترمذي بسند صحيح نهي النبي صلى اللّه عليه وسلم عن النعي‏.‏

2911 - ‏(‏إياكم والتعري‏)‏ أي التجرد عن اللباس وكشف العورة حرام إن كان ثم من يحرم نظره إليه وأما إن كان في خلوة فإن كان لغرض جاز وإن كان لغير غرض حرم كشف السوءتين فقط ‏(‏فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله‏)‏ أي يجامع حليلته يريد الكرام الكاتبين ‏(‏فاستحيوهم‏)‏ أي استحيوا منهم ‏(‏وأكرموهم‏)‏ بالتستر بحضرتهم وعدم هتك حرمتهم‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في الاستئذان ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ ابن الخطاب، وقال حسن غريب قال ابن القطان‏:‏ ولم يبين لم لا يصح وذلك لأن فيه ليث بن أبي سليم والترمذي نفسه دائماً يضعفه ويضعف به‏.‏

2912 - ‏(‏إياكم وسوء ذات البين‏)‏ أي التسبب في المخاصمة والمشاجرة بين اثنين أو قبيلتين بحيث يحصل بينهما فرقة أو فساد والبين من الأضداد الوصل والفراق ‏(‏فإنها الحالقة‏)‏ أي الماحية للثواب المؤدية إلى العقاب أو المهلكة من حلق بعضهم بعضاً أي قتل مأخوذ من حلق الشعر وقال الزمخشري‏:‏ الحالقة قطيعة الرحم والتظالم لأنها تجتاح الناس وتهلكهم كما يحلق الشعر يقال‏:‏ وقعت فيهم حالقة لم تدع شيئاً إلا أهلكته اهـ‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في الزهد ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وقال‏:‏ صحيح غريب انتهى وفيه عبد اللّه بن جعفر المخزومي أورده الذهبي في الضعفاء وقال‏:‏ ثقة وقال ابن حبان‏:‏ يستحق الترك‏.‏

2913 - ‏(‏إياكم والهوى فإن الهوى يصم ويعمي‏)‏ قال الحرالي‏:‏ الهوى نزوع النفس إلى سفل شهواتها مقابلة معتلي الروح لمنبعث الإنبساط لأن النفس ثقيل الباطن بمنزلة الماء والتراب والروح خفيف الباطن بمنزلة الهواء والنار وكان العقل متسع الباطن بمنزلة اتساع النور في كلية الكون علواً وسفلاً قاله الحرالي وقال القاضي‏:‏ الهوى ميل النفس إلى ما تشتهيه والمراد هنا الاسترسال في الشهوات ومطاوعة النفس في كل ما تريد وسمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا ‏[‏ص 127‏]‏ إلى الداهية وفي الآخرة إلى الهاوية قال العارف الجنيد‏:‏ أرقت ليلة وفقدت حلاوة وردي ثم اضطجعت لأنام فتمايلت حيطان البيت وكاد السقف أن يسقط فخرجت فإذا برجل ملتف بعباءة مطروح في الطريق فقال‏:‏ إلي الساعة قلت‏:‏ من غير موعد قال‏:‏ بلى سألت محرك القلوب أن يحرك قلبك‏.‏ قلت‏:‏ قد فعل قال‏:‏ متى يصير داء النفس دواءها قلت‏:‏ إذا خالف هواها قال‏:‏ يا نفس اسمعي أجبتك به مرات فأبيت إلا أن تسمعيه من الجنيد ثم انصرف اهـ وقال الماوردي‏:‏ الهوى عن الخير صادّ وللعقل مضادّ ينتج من الأخلاق قبائحها ويظهر من الأفعال فضائحها ويجعل ستر المروءة مهتوكاً ومدخل الشر مسلوكاً‏.‏

- ‏(‏السجزي‏)‏ في كتاب ‏(‏الإبانة‏)‏ عن أصول الديانة ‏(‏عن ابن عباس‏)‏

2914 - ‏(‏إياكم وكثرة الحديث عني فمن قال علي فليقل حقاً أو صدقاً‏)‏ إما شك من الراوي وإما لأن الحق غير مرادف للصدق فإن الحق يطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب باعتبار اشتمالها على مطابقة الواقع ويقابله الباطل وأما الصدق فشاع في الأقوال فقط ويقابله الكذب ‏(‏ومن تقوّل‏)‏ بشد الواو ‏(‏عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار‏)‏ أي فليتخذ له نزلاً أي بيتاً فيها ومن ثم كان أكابر الصحب يتحرون عدم التحديث قال علي كرم اللّه وجهه‏:‏ لأن أخر من السماء أحب إليّ من أن أحدث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بما لم أسمعه‏.‏

- ‏(‏حم ه ك عن أبي قتادة‏)‏ قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول على هذا المنبر فذكره قال الحاكم على شرط مسلم وله شاهد بإسناد آخر وأقره الذهبي عليه‏.‏

2915 - ‏(‏إياكم ودعوة المظلوم‏)‏ أي احذروا جميع أنواع الظلم لئلا يدعو عليكم المظلوم ‏(‏وإن كانت من كافر فإنه‏)‏ أي الشأن وفي رواية للبخاري فإنها أي الدعوة ‏(‏ليس لها حجاب دون اللّه عز وجل‏)‏ يعني أنها مستجابة قطعاً وليس للّه حجاب يحجبه عن خلقه قال ابن الجوزي‏:‏ الظلم يشتمل على معصيتين أخذ حق الغير بغير حق ومبارزة الرب بالمخالفة والمعصية فيه أشد من غيرها لأنه لا يقع غالباً إلا لضعيف لا يمكنه الإنتصار وإنما نشأ الظلم من ظلمة القلب لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر فإذا سعى المتقون بنورهم الحاصل بسبب التقوى اكتنفت الظالم ظلمات الظلم حتى لا يغني عنه ظلمه شيئاً‏.‏

- ‏(‏سمويه عن أنس‏)‏ وله شواهد كثيرة سبقت ويجيء كثير منها‏.‏

2916 - ‏(‏إياكم ومحقرات الذنوب‏)‏ أي صغائرها لأن صغارها أسباب تؤدي إلى ارتكاب كبارها كما أن صغار الطاعات أسباب مؤدّية إلى تحري كبارها قال الغزالي‏:‏ صغائر المعاصي يجر بعضها إلى بعض حتى تفوت أهل السعادة بهدم أصل الإيمان عند الخاتمة اهـ‏.‏ وإن اللّه يعذب من شاء على الصغير ويغفر لمن شاء الكبير ثم إنه ضرب لذلك مثلاً زيادة في التوضيح فقال‏:‏ ‏(‏فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه‏)‏ يعني أن الصغائر إذا اجتمعت ولم تكفر أهلكت ولم يذكر الكبائر لندرة وقوعها من الصدر الأول وشدة تحرزهم عنها فأنذرهم مما قد لا يكترثون به وقال الغزالي‏:‏ تصير الصغيرة ‏[‏ص 128‏]‏ كبيرة بأسباب منها الاستصغار والإصرار فإن الذنب كلما استعظمه العبد صغر عند اللّه وكلما استصغره عظم عند اللّه لأن استعظامه يصدر عن نفور القلب منه وكراهته له وذلك النفور يمنع من شدة تأثيره به واستصغاره يصدر عن الألفة به وذلك يوجب شدة الأثر في القلب المطلوب تنويره بالطاعة والمحذور تسويده بالخطيئة وقال الحكيم‏:‏ إذا استخف بالمحقرات دخل التخلط في إيمانه وذهب الوقار وانتقص من كل شيء بمنزلة الشمس ينكسف طرف منها فبقدر ما انكسف ولو كرأس إبرة ينقص من شعاعها وإشراقها على أهل الدنيا وخلص النقصان إلى كل شيء في الأرض فكذا نور المعرفة ينقص بالذنب على قدره فيصير قلبه محجوباً عن اللّه فزوال الدنيا بكليتها أهون من ذلك فلا يزال ينقص ويتراكم نقصانه وهو أبله لا ينتبه لذلك حتى يستوجب الحرمان‏.‏

- ‏(‏حم طب هب والضياء‏)‏ المقدسي كلهم ‏(‏عن سهل ابن سعد‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ كالمنذري رجال أحمد رجال الصحيح ورواه الطبراني في الثلاثة من طريقين ورجال أحدهما رجال الصحيح غير عبد الوهاب بن عبد الحكم وهو ثقة‏.‏

2917 - ‏(‏إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه كرجل كان بأرض فلاة‏)‏ ذكر الأرض أو الفلاة مقحم ‏(‏فحضر صنيع القوم فجعل الرجل يجيء بالعود والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا من ذلك سواداً وأججوا ناراً فأنضجوا ما فيها‏)‏ قال الغزالي‏:‏ وتواتر الصغائر عظيم التأثير في سواد القلب وهو كتواتر قطرات الماء على الحجر فإنه يحدث فيه حفرة لا محالة مع لين الماء وصلابة الحجر قال العلائي‏:‏ أخذ من كلام حجة الإسلام أن مقصود الحديث الحث على عدم التهاون بالصغائر ومحاسبة النفس عليها وعدم الغفلة عنها فإن في إهمالها هلاكه بل ربما تغلب الغفلة على الإنسان فيفرح بالصغيرة ويتحجج بها ويعد التمكن منها نعمة غافلاً عن كونها وإن صغرت سبب للشقاوة حتى أن من المذنبين من يتمدح بذنبه لشدة فرحه بمفارقته فيقول أما رأيتني كيف مزقت عرضه ويقول المناظر‏:‏ أما رأيتني كيف فضحته وذكرت مساوئه حتى أخجلته وكيف استخففت به وحقرته ويقول التاجر‏:‏ أما رأيت كيف روجت عليه الزائف وكيف خدعته وغبنته وذلك وأمثاله من المهلكات‏.‏

- ‏(‏حم طب عن ابن مسعود‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ رجاله رجال الصحيح غير عمران القطان وقد وثق اهـ وقال الحافظ العراقي‏:‏ إسناده جيد وقال العلائي‏:‏ حديث جيد على شرط الشيخين وقال ابن حجر سنده حسن‏.‏

2918 - ‏(‏إياكم ومحادثة النساء‏)‏ أي الأجانب ‏(‏فإنه‏)‏ أي الشأن ‏(‏لا يخلو رجل بامرأة‏)‏ أجنبية بحيث تحتجب أشخاصهما عن أبصار الناس والحال أنه ‏(‏ليس لها محرم‏)‏ أي حاضر معهما ‏(‏إلا همّ بها‏)‏ أي بجماعها أو بتعاطي مقدماته فيحرم ذلك تحرزاً من مظان الفتنة ومواقع الشبهة ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه قال الغزالي‏:‏ قال إبليس لموسى عليه السلام‏:‏ أريد أن أتوب اشفع لي إلى ربك فأوحى إليه مره أن يسجد لقبر آدم عليه السلام ليتاب عليه فاستكبر ‏[‏ص 129‏]‏ وقال‏:‏ لم أسجد له حياً أسجد له ميتاً ثم قال إبليس‏:‏ يا موسى لك عليّ حق بما شفعت لي فاذكرني عند ثلاث لا أهلكك فيهن حين تغضب فإن وجهي في قلبك وعيني في عينك وحين الزحف فإني أذكر للمجاهد ولده وزوجته حتى يولي وإياك أن تجالس امرأة ليست ذات محرم فإني رسولها إليك ورسولك إليها‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي ‏(‏في كتاب أسرار الحج عن سعد بن مسعود‏)‏ في الصحابة متعدد سعد بن مسعود الأنصاري وسعد بن مسعود الثقفي وسعد بن مسعود الكندي فكان ينبغي تمييزه‏.‏

2919 - ‏(‏إياكم والغيبة‏)‏ التي هي ذكر العيب بظهر الغيب بلفظ أو إشارة أو محاكاة أو بالقلب كما في الإحياء ‏(‏فإن الغيبة أشد من الزنا‏)‏ أي من إثمه ‏(‏إن الرجل قد يزني ويتوب فيتوب اللّه عليه وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه‏)‏ وهيهات أن يغفر له فقد اغتاب ابن جلا بعض إخوانه فأرسل إليه يستحله فأبى قائلاً‏:‏ ليس في صحيفتي حسنة أحسن منها فكيف أمحوها قال الغزالي‏:‏ والغيبة هي الصاعقة المهلكة للطاعات ومثل من يغتاب كمن ينصب منجنيقاً فهو يرمي به حسناته شرقاً وغرباً ويميناً وشمالاً وقد قيل للحسن‏:‏ اغتابك فلان فبعث إليه بطبق فيه رطب وقال‏:‏ أهديت إليّ بعض حسناتك فأحببت مكافأتك وقال ابن المبارك‏:‏ لو كنت مغتاباً لاغتبت أمي فإنها أحق بحسناتي قال الغزالي‏:‏ العجب ممن يطلق لسانه طول النهار في الأعراض ولا يستنكر ذلك مع قوله هنا أشد من الزنا فيجب على من لم يمكنه كف لسانه في المحاورات العزلة فالصبر على الانفراد أهون من الصبر على السكون مع المخالطة اهـ وقد نقل القرطبي الإجماع على أنها كبيرة‏.‏

- ‏(‏ابن أبي الدنيا‏)‏ أبو بكر ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏ذم الغيبة‏)‏ وفي الصمت ‏(‏وأبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏‏)‏ الأصبهاني في التوبيخ وابن حبان في الضعفاء وابن مردويه في التفسير كلهم ‏(‏عن جابر‏)‏ بن عبد اللّه ‏(‏وأبي سعيد‏)‏ الخدري ورواه الطبراني عن جابر بلفظ الغيبة أشد من الزنا والباقي سواء قال الهيثمي‏:‏ وفيه عباد بن كثير متروك‏.‏

2920 - ‏(‏إياكم والتمادح‏)‏ وفي رواية والمدح ‏(‏فإنه الذبح‏)‏ لما فيه من الآفة في دين المادح والممدوح وسماه ذبحاً لأنه يميت القلب فيخرج من دينه وفيه ذبح للممدوح فإنه يغره بأحواله ويغريه بالعجب والكبر ويرى نفسه أهلاً للمدحة سيما إذا كان من أبناء الدنيا أصحاب النفوس وعبيد الهوى وفي رواية فإنه من الذبح وذلك لأن المذبوح هو الذي يفتر عن العمل والمدح يوجب الفتور أو لأن المدح يورث العجب والكبر وهو مهلك كالذبح فلذلك شبه به قال الغزالي رحمه اللّه‏:‏ فمن صنع بك معروفاً فإن كان ممن يحب الشكر والثناء فلا تمدحه لأن قضاء حقه أن لا تقرّه على الظلم وطلبه للشكر ظلم، وإلا فأظهر شكره ليزداد رغبة في الخير وأما ما مدح به المصطفى صلى اللّه عليه وسلم فقد أرشد إلى ما يجوز من ذلك بقوله لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى اهـ‏.‏ ويستثنى منه أيضاً ما جاء عن المعصوم كالألفاظ التي وصف بها المصطفى صلى اللّه عليه وسلم بعض أصحابه كقوله نعم العبد عبد اللّه‏.‏

- ‏(‏ه عن معاوية‏)‏ بن أبي سفيان ورواه عنه أيضاً أحمد وابن منيع والحارث والديلمي‏.‏

2921 - ‏(‏إياكم‏)‏ وفي رواية إياكن وهو ظاهر لأنه وقع خطاباً لنساء عثمان بن مظعون لما مات كما في النهاية وغيرها ‏(‏ونعيق الشيطان‏)‏ يعني الصياح والنوح وأضيف للشيطان لأنه الحامل عليه ‏(‏فإنه مهما يكن من العين والقلب فمن الرحمة وما يكون من اللسان واليد فمن الشيطان‏)‏ أي هو الآمر والموسوس به وهو مما يحبه ويرضاه ولفظ رواية ‏[‏ص 130‏]‏ مسند أحمد إياكن ونعيق الشيطان وهو من عنقه إذا أخذ بعنقه وعصر في حلقه ليصيح فجعل صياح النساء عند المصيبة مسبباً عن الشيطان لحمله لهن عليه‏.‏

- ‏(‏الطيالسي‏)‏ أبو داود ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ وفيه علي بن زيد بن جدعان وقد سبق بيان حاله ورواه عن أنس أيضاً أحمد وابن منيع والديلمي‏.‏

2922 - ‏(‏إياكم والجلوس في الشمس فإنها تبلي الثوب وتنتن الريح وتظهر الداء الدفين‏)‏ أي المدفون في البدن فالقعود فيها منهي عنه إرشاداً لضرره وقد صرح بذلك جمع من الأطباء وقال الحارث بن كلدة‏:‏ إياكم والقعود في الشمس فإن كنتم لا بد فاعلين فتنكبوها بعد طلوع النجم أربعين يوماً ثم أنتم وهي سائر السنة‏.‏

- ‏(‏ك‏)‏ في الطب من حديث محمد ابن زياد الطحان عن ميمون بن مهران ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ وتعقب الذهبي على الحاكم بأنه من وضع الطحان انتهى فكان ينبغي للمصنف حذفه‏.‏

2923 - ‏(‏إياكم والخذف‏)‏ بخاء وذال معجمتين أن تأخذ حصاة أو نواة بين سبابتيك وترمي بها ‏(‏فإنها‏)‏ أي هذه الفعلة ‏(‏تكسر السن وتفقأ العين ولا تنكي العدو‏)‏ نكاية يعتد بها‏.‏

- ‏(‏طب عن عبد اللّه بن مغفل‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ فيه الحسن بن دينار وهو ضعيف لكن معناه في الصحيح ورواه عنه أيضاً الدارقطني وزاد بيان السبب وهو أنه رأى رجلاً يخذف فنهاه ثم ذكره‏.‏

2924 - ‏(‏إياكم والزنا فإن فيه أربع خصال يذهب البهاء عن الوجه ويقطع الرزق‏)‏ يعني يقلله ويقطع كثرة بركته ‏(‏ويسخط الرحمن‏)‏ أي يغضبه ‏(‏والخلود‏)‏ أي وفيه الخلود ‏(‏في النار‏)‏ أي نار جهنم أي إن استحله وهو زجر وتهويل وليس على ظاهره ويكفي في قبحه أنه مع كمال رحمته شرع فيه أفحش القتلات وأفضحها وأشنعها وأمر أن يشهد المؤمنون تعذيب فاعله ومن قبحه أن بعض البهائم يستقبحه ففي البخاري عن عمرو بن ميمون‏:‏ رأيت في الجاهلية قرداً زنا بقردة فاجتمع عليهما القردة فرجموهما حتى ماتا‏.‏

- ‏(‏طس عد‏)‏ عن إسحاق بن أحمد بن جعفر عن محمد بن إسحاق البكائي عن الحكم بن سليمان عن عمرو بن جميع عن ابن جريج عن عطاء ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ فيه عمرو بن جميع وهو متروك وأورده ابن الجوزي في الموضوع من حديث ابن عدي هذا وقال‏:‏ فيه عمرو بن جميع كذاب انتهى فتعقبه المؤلف بأن الطبراني خرجه ولم يزد على ذلك وهو تعقب أوهى من بيت العنكبوت لأن ابن جميع الذي حكم بوضع الحديث لأجله في سند الطبراني أيضاً فما الذي ضعفه‏.‏

2925 - ‏(‏إياكم والدين‏)‏ بفتح الدال ‏(‏فإنه هم بالليل‏)‏ لأن اهتمامه بقضائه والنظر في أسباب أدائه يسلبه لذة نومه ‏(‏ومذلة بالنهار‏)‏ ‏[‏ص 131‏]‏ فإنه يتذلل لغريمه ليمهله هذا تحذير شديد عن إرتكاب الدين لا سيما لمن لا يرجو له وفاء وقيل الدين قد يعدم الدين‏.‏

- ‏(‏هب عن أنس‏)‏ بن مالك وفيه الحارث بن شهاب قال الذهبي‏:‏ ضعفوه ورواه عنه أيضاً الديلمي‏.‏

2926 - ‏(‏إياكم والكبر فإن إبليس حمله الكبر على أن لا يسجد لآدم‏)‏ فكان من الكافرين قال ابن عطاء اللّه‏:‏ كان الشاذلي يكرم الناس على نحو رتبتهم عند اللّه تعالى حتى أنه ربما دخل عليه مطيع فلا يهتبل به وعاص فأكرمه لأن ذلك الطائع جاء وهو متكبر بعمله والعاصي دخل بكثرة معصيته وذلة مخالفته ومن ثم قال بعض العارفين‏:‏ العاصي الذليل الحقير خير من الطائع المتكبر المعجب بنفسه ومعصية أورثت ذلاً واحتقاراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً ‏(‏وإياكم والحرص‏)‏ وهو كما قال الماوردي‏:‏ شدة الكد والاسراف في الطلب قال‏:‏ وهو خلق يحدث عن البخل ‏(‏فإن آدم حمله الحرص على أن أكل من الشجرة‏)‏ فأخرج من الجنة فإنه حرص على الخلد في الجنة فأكل منها بغير إذن ربها طمعاً فيها فالحرص على الخلد أظلم عليه فلو انكشفت عنه ظلمته لقال كيف أظفر بالخلد فيها مع أكلي منها بغير إذن ربي ففي ذلك الوقت حصلت الغفلة منه فهاجت من النفس شهوة الخلد فيها فوجد العدو فرصته فخدعه حتى صرعه فجرى ما جرى قال الخواص‏:‏ الأنبياء قلوبهم صافية ساذجة لا تتوهم أن أحداً يكذب ولا يحلف كاذباً فلذلك صدق من قال له أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى حرصاً على عدم خروجه من حضرة ربه الخاصة ونسي النهي السابق فانكشف له ستر تنفيذ احذار ربه فكانت السقطة في استعجاله بالأكل من غير إذن صريح فلذلك وصفه اللّه تعالى بأنه كان ظلوماً جهولاً حيث اختار لنفسه حالة يكون عليها دون أن يتولى الحق تعالى ذلك ولذلك قال‏:‏ ‏{‏خلق الإنسان من عجل‏}‏ ‏{‏وكان الإنسان عجولاً‏}‏ اهـ قال العارف ابن أدهم‏:‏ قلة الحرص والطمع يورث الصدق والورع وكثرة الحرص والطمع تورث الهم والجذع قال الماوردي‏:‏ الحرص والشح أصلا كل ذم وسببا كل لوم لأن الشح يمنع من أداء الحقوق ويبعث على القطيعة والعقوق فأما الحرص فيسلب كل فضائل النفس لاستيلائه عليها ويمنع من العبادة لتشاغله عنها ويبعث على التورط في الشبهات لقلة تحرزه منها فهذه ثلاث خصال هن جامعات للرذائل مانعات للفضائل مع أن الحريص لا يستزيد بحرصه على رزقه سوى إذلال نفسه وإسخاط خالقه‏.‏ وقال بعض الحكماء‏:‏ الحرص مفسدة في الدين والمروءة واللّه ما عرفت في وجه رجل حرصاً فرأيت أن فيه مصطنعاً وقال آخر‏:‏ المقادير الغالبة لا تنال بالمغالبة والأرزاق المكتوبة لا تنال بالشدة والمكالبة وليس للحريص غاية مطلوبة يقف عنها ولا نهاية محدودة يقنع بها لأنه إن وصل بالحرص إلى ما أمله أغراه ذلك بزيادة الحرص والأمل وإلا رأى إضاعة العناء لوماً والصبر عليه حزماً وصار لما سلف من عني به أقوى رجاء وأبسط أملاً ولو صدق الحريص نفسه واستنصح عقله لعلم أن من تمام السعادة وحسن التوفيق الرضا بالقضاء والقناعة بما قسم ‏(‏وإياكم والحسد فإن ابني آدم‏)‏ قابيل وهابيل ‏(‏إنما قتل أحدهما صاحبه حسداً -قال البيضاوي‏:‏ أوحى اللّه إلى آدم أن يزوج كل واحد منهما توأم الآخر فسخط منه قابيل لأن أخته كانت أجمل فقال لهما آدم‏:‏ قربا قرباناً فمن أيهما قبل يتزوجها فقبل قربان هابيل بأن نزلت نار فأكلته فازداد قابيل سخطاً وفعل ما فعل- فهو‏)‏ أي الكبر والحرص والحسد ‏(‏أصل كل خطيئة‏)‏ فجميع الخطايا تنشأ عنها والكبر منازعة الذات المتعالية في الصفة التي لا يستحقها غيره فمن نازعه إياها فالنار مثواه فعقوبة المتكبر في الدنيا المقت من أولياء اللّه والذلة بين عباد اللّه وفي الآخرة نار اللّه والحرص مسابقة قدر اللّه ومن سبق القدر سبق ‏[‏ص 132‏]‏ وهو مغالبة الحق تقدس ومن غالبه غلب فعقوبته في الدنيا الحرمان وفي الآخرة النيران والحسد تسخط قضاء اللّه فيما لا عذر للعبد فيه فعقوبته في الدنيا الغيظ الشديد وفي الآخرة نار الوعيد وخص هذه الثلاثة بالذكر لأنها أصول الشر قال الحرالي‏:‏ أصول الشر ثلاثة الكبر الذي كان سبب بلاء إبليس والحرص الذي كان سبب بلاء آدم عليه السلام من الشجرة والحسد الذي كان سبب قتل قابيل هابيل وقال أبو حاتم‏:‏ أحيد الموت خوفاً من ثلاثة أشياء الكبر والحرص والخيلاء فإن المتكبر لا يخرجه اللّه من الدنيا حتى يريه الهوان من أرذل أهله وخدامه والحريص لا يخرجه من الدنيا حتى يحوجه إلى كسرة أو شربة والمختال لا يخرجه منها حتى يمرغه ببوله وقذره‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن ابن مسعود‏)‏‏.‏

2927 - ‏(‏إياكم والطمع‏)‏ الذي هو انبعاث هوى النفس إلى ما في أيدي الناس ‏(‏فإنه هو الفقر الحاضر‏)‏ والحر عبد إن طمع والعبد حر إن قنع وقد قال علي كرم اللّه وجهه في قوله تعالى ‏{‏فلنحيينه حياة طيبة‏}‏ إنها القناعة وقال حكيم‏:‏ أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع وقال بشر‏:‏ لو لم يكن في القنوع إلا التمتع بالعز لكفى وقال الشافعي‏:‏ من غلبت عليه شهوة الدنيا لزمته العبودية لأهلها ومن رضي بالقنوع زال عنه الخضوع وقال العارف المرسي رضي اللّه عنه‏:‏ أردت أن أشتري شيئاً ممن يعرفني وقلت‏:‏ لعله يحابيني فنوديت السلامة في الدين بترك الطمع في المخلوقين وقال‏:‏ الطمع ثلاثة أحرف كلها مجوفة فهو بطن كله فلذا صاحبه لا يشبع أبداً ‏(‏وإياكم وما يعتذر منه‏)‏ أي قوا أنفسكم الكلام فيما يحوج إلى الاعتذار كما سبق‏.‏